التعليم الموريتاني: أزمة متجذرة

شهدت ساحة الحرية أمام القصر الرئاسي في نواكشوط وقفة احتجاجية نظمتها نقابات المعلمين للمطالبة بتحسين أوضاعهم.
جاءت هذه الوقفة بعد أقل من شهر من انطلاق العام الدراسي 2024/2025، في ظل ظروف صعبة يعاني منها قطاع التعليم. الحراك تصاعد بعد انتشار فيديو يوثق ما أصبح يُعرف بـ”صفعة المعلم”، حيث أقدمت السلطات على قمع بعض المحتجين، مما أثار موجة غضب واسعة.
ردود الفعل والاحتجاجات
توالت الوقفات الاحتجاجية في مختلف المدن، وانضم إليها نواب من المعارضة للمطالبة بتحقيق شفاف في الحادثة. في المقابل، أعلنت الحكومة تشكيل لجنة تحقيق من وزارتي التعليم والداخلية. إلا أن نقابات التعليم اعتبرت أن هذه الجهات غير مؤهلة للبت في القضية، مؤكدة أن التحقيق يجب أن يكون من اختصاص القضاء المستقل.
الشرطة بدورها أصدرت بيانًا عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، أكدت فيه أن المعلمين اخترقوا الحواجز الأمنية، وهو ما أثار جدلًا حول استقلالية اللجنة المكلفة بالتحقيق وحياديتها.
أزمة التعليم: تراكمات الماضي
بدأت أزمة التعليم في موريتانيا منذ الانقلاب العسكري عام 2008، الذي أطاح بحكومة الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. ورغم محاولات الإصلاح التي طرحتها حكومات متعاقبة، وبقيت مشاكل المعلمين حاضرة بقوة. في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009-2019)، وتم بناء وترميم مدارس، لكن أزمة الأجور وعلاوات البعد والأقدمية لم تُحل.
مع وصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة عام 2019، وُضعت ملفات التعليم ضمن الأولويات، خاصة مع إطلاق مشروع “مدرسة الجمهورية”. غير أن جائحة كورونا وما تلاها من أزمات اقتصادية عرقلت تقدم الإصلاحات.
أولويات المرحلة الحالية
رغم تخصيص الحكومة أكثر من 500 مليار أوقية لعصرنة نواكشوط، يرى المراقبون أن مشاكل التعليم، وخاصة أوضاع المعلمين، لم تُعطَ الاهتمام الكافي. الوزير الأول الحالي، المختار ولد اجاي ، أكد أن شعار المرحلة هو الإصلاح الشامل، بما في ذلك قطاع التعليم. ومع ذلك، لم تظهر حتى الآن مؤشرات ملموسة على تحقيق تقدم كبير في هذا الملف.
أزمة التعليم في موريتانيا تُعتبر انعكاسًا لتراكمات عقود من السياسات غير المستقرة والاضطرابات السياسية. ورغم الخطابات الرسمية المتكررة، فإن غياب التنفيذ الفعلي للإصلاحات يجعل المعلم ضحية لهذه الدوامة.
ويبقى السؤال: هل ستتمكن الحكومة الحالية من تحقيق نقلة نوعية في ملف التعليم، أم أن هذه الأزمة ستستمر في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية؟