موريتانيا: 64 عامًا بعد الاستقلال – تحديات بناء الدولة الحديثة

في 28 نوفمبر 1960، رفعت موريتانيا أول علم لها، معلنة استقلالها عن الاستعمار الفرنسي الذي استمر لأكثر من ستة عقود. كانت البلاد حينها دولة فتية في قلب الصحراء، تمتد على مساحة شاسعة تزيد على مليون كيلومتر مربع، وتجمع بين بيئات متنوعة من الصحراء والنهر إلى المحيط الأطلسي. رغم هذا التنوع البيئي والجغرافي، كان المجتمع الموريتاني يتسم بالتعدد العرقي والثقافي، ويبلغ تعداده نحو مليون ونصف نسمة فقط، مع تاريخ غني يعكس الحضارة والتجارة والثقافة.

● مرحلة التأسيس (1960-1978): تحديات الولادة

أُعلن الاستقلال في خيمة من الوبر وسط نواكشوط، التي كانت آنذاك مجرد بئر يتزود منه البدو بالماء. قاد المرحوم المختار ولد داداه مع نخبة من المتعلمين والنواب المرحلة الأولى من بناء الدولة، في ظل ظروف دولية ومحلية بالغة الصعوبة.

بدأت محاولات وضع أسس الدولة الحديثة: بناء العاصمة، إنشاء حكومة، وتأميم موارد البلاد، مثل شركة “ميفرما”، وسك عملة وطنية. ورغم الموارد المحدودة، نجح ولد داداه في تحقيق حضور دولي وإقليمي لموريتانيا، وترسيخ الهوية الوطنية.

● الانقلابات العسكرية والفترة الانتقالية (1978-2005): اضطرابات متكررة

انتهت حقبة ولد داداه بانقلاب عسكري عام 1978، إيذانًا بفترة شهدت سلسلة من الانقلابات، مع هيمنة المؤسسة العسكرية على الحكم. تراجعت البلاد سياسيًا واقتصاديًا نتيجة عدم الاستقرار، وبرزت أزمات هيكلية أدت إلى تأخر كبير في التنمية.

كان معاوية ولد الطايع أطول من حكم البلاد عسكريًا (1984-2005)، وأطلق ما عُرف بـ”حركة التصحيح”. ورغم تنظيمه أول انتخابات رئاسية تعددية في 1992، ظلت مؤسسات الدولة ضعيفة، وسط اتهامات بالتزوير والانفراد بالسلطة والفسادالمالي والاداري.

● من الديمقراطيةالوليدةإلى الأزمات (2005-2019): الصراعات السياسية

شهدت البلاد انقلابات متتالية، أبرزها انقلاب 2008 الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز. جاءت فترة حكمه بمزيج من الإنجازات والتحديات، حيث شهدت البلاد بعض مشاريع البنية التحتية، مثل مطار نواكشوط الدولي ومستشفيات وطرق داخلية، لكنها افتقرت إلى إصلاحات جذرية في الصحة والتعليم والعدالة.

واجه ولد عبد العزيز محاكمة في قضايا فساد عُرفت بـ”محاكمة العشرية”، خلال مأمورية خلفه وزميله محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي تولى الحكم في 2019 وواجه تحديات جديدة مثل جائحة كورونا.

● التحديات المستمرة بعد 64 عامًا من الاستقلال

رغم مرور أكثر من ستة عقود على الاستقلال، ما زالت موريتانيا تعاني من مشكلات مزمنة في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، بالإضافة إلى الفساد المالي وضعف العدالة. تُطرح تساؤلات حول دور المؤسسة العسكرية، التي حكمت البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر لعقود، والنخبة السياسية التي دعمت الانقلابات وشاركت في الحكم المدني.

السؤال الكبير: إلى أين؟

بينما تحتفل موريتانيا بعيد استقلالها كل عام، يبقى السؤال: ما الذي يحول دون انضمامها إلى مصاف الدول شبه المتقدمة في محيطها الإقليمي؟

– هل يكمن الخلل في غياب رؤية سياسية طويلة المدى؟

-أم في المؤسسة العسكرية التي تتحكم بمفاصل الدولة؟

– أم في ضعف النخبة السياسية في وضع حلول مستدامة؟

تبقى الإجابة مرهونة بإرادة سياسية جادة لإحداث تغيير جذري يضع موريتانيا على مسار التنمية الحقيقية، بعيدًا عن دورات الانقلابات والصراعات.

●لقد بدأنا مسيرة البناء من الصفر، ولم تكن لدينا موارد سوى عزيمة الشعب وإيمانه بوطنه.”المختار ولد داداه.

●الفساد هو العدو الأول للتنمية، ولن تنهض موريتانيا إلا بالتصدي له.” – تصريح سياسي معاصر.